صالةٌ صغيرة، جلس على إحدى (كنباتها) شابٌ في مقتبل العمر، ينظر إلى الأرض في حزنٍ، أو لا وعي.. لست أدري. في مواجهته، رقد الأخ الأكبر له على (الكنبة) المقابلة؛ يريح ظهره من الألم الذي عاوده، وهو يتمتم في ضيق "استغفر الله العظيم يا رب" مع كل زفرةٍ يزفرها من فمه..
- "وأنا المطلوب مني إيه دلوقت؟!!"
قالها الأخ الأكبر في ضيقٍ وحزن معًا.. وما زال الأخ الأصغر ناظرًا إلى الأرض، صامتًا بلا وعي..
لا يشعر بما يعتمل في صدر أخيه الأكبر من حزنٍ عليه. كلما حاول الشعور به.. زاد حزنه، وزاد شروده..
- "أنا بقالي أربع سنين بأكلمك، وإنت مش حاسس.. أربع سنين بأسألك عملت إيه في الامتحان! وكل مرة بتقول (الحمد لله) وبرضه مابتنجحش..قوللّي أنا أعمل إيه دلوقت؟!!"
الأصغر لا يزال يحاول الهرب بعينيه مع نملةٍ صغيرة على الأرض، تتحرك بسرعة - في توتر- دون جدوى ..لا يجد جوابًا، ولا يملك قولا أو دفاعًا..
** ** **
* كم تمنى في تلك الليلة، لو أن جسده أصبح كتلك (السيجارة) التي ينفث دخانها في الهواء..يحترق بلا سبب.. كم تمنى في تلك الليلة، لو أن روحه كذاك الثقاب الذي يشتعل لإشعال الموقد، ثم وبنفثة هواء... ينطفئ.
* لم يكن يدري – وهو جالس على الكرسي الوحيد في (المطبخ)-منتظرا غليان الماء- أنه لن ينام في تلك الليلة.. لم يكن يدري، أنه في الصباح سيرحل إلى الجامعة.. ولن يدري من أين ستأتي تلك السيارة - ذات السرعة الجنونية- حسب أقوال بعض المارة- التي صدمته؟!!...
ولن تدري المارة فيم كان يفكر، وهو يعبر الشارع أمام الجامعة:
- "ده كان ماشي مسطول.."
ولن يدري ماذا سيحدث للعالم بعده؟!! هل سيتوقف عن الدوران؟!!
إنه ..لن يعلم بكل ذلك..
لن يعلم..
** ** **
* في البلدة، جلس الأخ الأكبر متجهمًا، حزينًا للغاية؛ فهو آخر من حدَّثه.. سيظل يذكر شروده في تلك الليلة.. إنه لن يقول لوالدته العجوز – ذات الستين عاما- نتيجته إن سألته عنها..
- "يا أيتها النفس..."
لن يقول لأحد ماذا حدث منه في آخرلياليه..
- "...وادخلي جنتي"
لا، إنه لن يقول لأحد..
- "صدق الله العظيم"
- "شكر الله سعيك".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق