2015-02-04

صديقي الميت

يحدثني صديقي الميت منذ زمن بعيد ألّا أحزن، فتلك عادة البشر منذ القدم.
يريدني دائمًا أن أتناسى شعور من نسيَنا وتركنا في انتظار عودته على رصيف القطار/الشات/الهاتف، نتطلع، مع كل إشعار، عن وجهه، في وجوه المارين، ولا نجده.
نتصيّد الفرص ليربط خيالنا المريض بهم، كلام من حولنا بكلامهم؛ فهذا يشبهه، وتلك الجملة قالها حين قبّلته، وذلك القميص يملك واحدا مثله، وتلك رائحته المفضلة.

يعزي الآخرون ارتباكي وشرودي إلى الخمر، فأنا لم أشربه كثيرا ولا أتجرعه بصورة كافية حتى أدرك ما أقول ومتى أقول. مساكين أولئك الأصدقاء، لا يعرفونني، وأنا أيضا لم أسمح لهم بمعرفتي، فأنا من يترك لهم الحبل لتعليق آرائهم عني، بل أؤكدها لهم لأصبح عند حسن ظن عبدي بي..
لا أريد المزايدة ولا الكلام، فكل ما أقوله يصبح غير منطقي، لأي أحد كان.
ما زالت نقاط الكتابة في رسائلنا تقول إنه يكتب، ولا تأتي الكلمات.. تقول إنها شوهدت، من دون رد.

تصحو كل ليلة على صوت إشعار رسالة، تنظر بلهفة من مرسلها، وتغلق زر آمالك مع باقة البيانات كي تستطيع النوم.

ف الغربة الدنيا توهة والناس مالهاش أسامي

الراجل اللي بيكلّم نفسه وهو معدّي من تحت البيت بعد كل صلاة.. الكلاب اللي بيحبوا بعض آخر كل ليل، وما بيخلونيش أنام.. دخان السجاير ف البلكونة ساعة المغربية، باتريك زوسكيند وجان بابتيست جرينوي، وعطورهم، ريهام سعيد وبنتها اللي مليانة ديفوهات.. ونت الموبايل اللي بيطلّع أيماني عشان يشتغل.. برد هوا أكتوبر بعد العِشا.. والعيال اللي بتنادي على أصحابها عشان يلعبوا ساعة العصاري.


صفار الصحرا وألوانها الخضرا اللي طالعة على استحياء.. الدنيا لما ما يكونش فيها حد تكلمه.. وشبكة الموبايل اللي ما بتجيش غير طشاش.. وصوت العيل الصغير اللي بيقيم الصلاة ف ميكروفون الجامع اللي جنبك.. التفاصيل الصغيرة اللي بتخلّي الوقت يعدّي وبتخلّي الحياة ممكنة.. الحياة من غيركم صعبة

My Maria ♥

 إنك تخلّف بنت، زيّ ما يكون الواحد خلِّف علبة ألوان، بالظبط.. كائن ملوّن دايمًا بألوان مبهجة، مُعدية بشكل رهيب. علبة الألوان اللي خلّفتها دي، هتصيبك بلعنة ألوانها، وهتسيب علامة عليك. 

الولاد دايمًا بيحبوا الغوامق. مش بعيد وإنت ماشي تلاقي ألوان كتيرة على هدومك، هتلاقي جيب التيشرت اللي ناحية القلب مثلًا بقى لونه أحمر، أو تشوف قوس قزح صغير مرسوم على صدرك اللي بقى رمادي من كُتر شرب السجاير، أو تلاقي نضارتك اللي بتوريك الحياة بقى لونها أخضر، ويمكن حتى تلاقي شعرك الأبيض اللي بدأ ينتشر في راسك، بقى ملوّن هو كمان، إيشي بمبي وإيشي برتقالي.

علبة الألوان اللي بتسيب أثرها دايمًا على كل اللي يلمسها، وتخليك دايمًا ملوّن على الرغم من كآبتك الرمادية اللون، تخليك دايمًا شايف حاجات حلوة متكورة ف وسط الكآبة اللي بتحاول تهرب منها.. مثلًا وإنت ماشي ف حالك ف البيت، هتلاقي هدوم صغيرة ملونة في كل حتة، وفي كل مكان مترّب في شقتك الصغيرة هتلاقي فردة لكلوك بيضا متدخلش ف صوباع رجلك الصغير، أو لعبة بمبية بتتحرك لما تلمسها برجلك، أو دبدوب منفوش بيطلّع صوت غريب لما تدوس عليه من غير ما تاخد بالك.

فيه كائن صغير -بغض النظر عن عياطه المتواصل- لابس ألوان مبهجة دايمًا ومستنيك تطبطب عليه أو تشيله من ع السرير، ومُصرّ كل الإصرار على إثبات وجوده.. فيه بنوتة بتعمل صوت "إنغغغغغغغغغ" وبتضحك في هبل وإنت بتلاعبها.. هتلاقي ألوان كتيرة ف وسط زحمة لون التراب الرمادي أو غوامق ألوان هدومك.

اكتشفت النهارده إن حب الألوان في البنات بيتورّث مع الولادة، ومن جيل لجيل، ممكن تختلف الألوان، بس البنات لها قدرة عبقرية على الحفاظ على التراث ده. حُب الفساتين الملونة في البنانيت وهي بتلعب مع عروستها بيكبر واحدة واحدة معاها، لحد ما يسيطر على لبسها في الكبر، رغم الظروف والإهانات اللي ممكن تتعرضلها في الشارع أو العيلة من تحرش وقرف. لسه قادرة على تغيير مود الجميع بضحكة بيضا، وببرفان مريح للأعصاب ممكن يكون لونه لبني فاتح (اعذروني عشان اسم درجة اللون المظبوطة مش عارف اسمها، أنا ولد مبعرفش في الألوان). 

كنت بقول إن النهارده اكتشفت إن موضوع الألوان ده متوارث.. كانت ضلفتين الدولاب مفتوحين، بصيت عليه من بعيد، لقيت نص مليان ألوان مفرحة بتاع مراتي، ونص كئيب مليان غوامق وحاجات سودة وبلوبلاك كتيرة عندي.. اتأملت الموضوع شوية، لقيت البنات بطبعهن مبهجات، ملوّنات، وإحنا يا عيني علينا، ألواننا قاتمة وغامقة.
يا رب أنا عايز أخلّف بنت، تكون ملونة وشبه مامتها، وأوعدك، إننا هنحاول والله، نخلّي نفسيتها مظبوطة على قد ما نقدر، هنحاول نحافظ على روحها المطلوقة ف الملكوت.. يا رب كتّر ألوان الحياة عندي، واسعدنا بما لدينا.