2017-03-05

دمعة جدّي


"دعوني أقصص عليكم القصة من بدايتها، فالسرّ دائما يكمن في البدايات.."، قال جدي.

بادرنا جدّنا بتلك العبارة، فى محاولته ليهوّن علينا – أنا وأختي الصغيرة- فراق أصدقائنا فى بلدتنا القديمة، خصوصا أن الأخت الصغيرة بدأت البكاء، منذ أن تحركنا بالسيارة.

كان جدي مغرما بالحواديت والقصص الغريبة، من يخطر بباله يوما أن دمعة تنزل على أحد خديّ فتاة لها قصة؟ ما زلت أذكر تلك القصة تماما، وكأن جدي الذى رحل منذ نحو 30 عاما، فرغ توا من سردها.

يبدأ جدي الحكي بمقولته الدائمة: "كان ياما كان، يا سعد يا كرام، ولا يحلى الكلام إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام"، وينتظرنا أن نردد: "عليه الصلاة والسلام"، وإن كنت أعتقد أنه كان سيحكي فى كل الأحوال..

يقول: كان فيه دمعة صغيرة، وحيدة وزعلانة، كانت مخنوقة من إنها محبوسة لوحدها ومحدش راضي يخليها تنزل من العين تلعب شوية ع الخد وتطلع تاني، لإن باباها ومامتها مش مخليينها تنزل خالص، وبيقولوها: الدمعة لو نزلت م العيون بتموت، وبتموّت معاها حاجات تانية كتير.

هكذا كان جدي، مغرما بالغموض، لم يجبنا حين سألنا، "إيه الحاجات اللي بتموت يا جدو؟"، ابتسم فقط، وقال: "دعوني أكمل"..

"عيلة الدمعة قالت لها إن العيلة بتاعتهم كلها نزلت ف مرة من المرات، لما جت للبنت اللي عايشين جوه عنيها كريزة عياط، من غير أي أسباب، همّ نفسهم، الدمعة الأب والأم، مش عارفين إيه الداعي ليها، ومخنوقين من إن حياتهم الطويلة ممكن تروح هدر فى نوبة عياط، أو نوبة ضحك أهبل.

الدمعة البنت، مكنتش مقتنعة إن حبسها جوه العيون، هيفيد، خصوصا إن باباها لما بيحبسها وميخليهاش تنزل وقت ما هي عايزة، بتزداد ملوحة وزعل. ف يوم من الأيام، والدمعة الصغيرة قاعدة وحيدة زعلانة ف سجنها جوه العيون، لقت العيلة كلها بتجرى، والدموع بتصرخ: اهربوا.. نوبة عياااااط.

حاولت تهرب، باباها ومامتها قفشوها، ومسكوا إيديها وهما بيجروا، وهي قعدت تصرخ "سيبوني.. سيبوني.."، الدموع كلها كانت بتهرب من الفيضان اللي بياخدهم وينزلهم من الشلال اللي بيطلع م العيون. الدموع كلها، مستخبية، وخايفة خصوصا إن نوبة العياط، فضلت وقت طويل جدا المرة دي، البنت الصغيرة، بتبص حواليها، لقت الدموع كلها مرعوبة، زعلانة، إلا دمعة مزقططة وفرحانة وقاعدة بتقاوم أهلها برضه اللي حابسينها.

قربت منها وسألتها: "إنتي مش خايفة ليه زي بقيت الدموع؟"، الدمعة الفرحانة، قالت: "إحنا صحيح بننتهي واللي بينزل مننا ما بيرجعش تاني، بس وإيه يعني، النزول لوحده بيرحنا، وبيريح عيون البنت اللي عايشين جواها، والبنت نفسها بتستريح، وهي قدمت لنا كتير، خلتنا نشوف كارتون كتييييييير بيضحك، -صحيح تقريبا نص عيلتي ضاع وقت ضحكها- بس مش مهم، أنا متأكد إنهم مبسوطين دلوقت، ده كمان غير الألوان اللي بره ف العالم، والشمس اللي يسخونتها بتحولنا لبخار مالوش وزن، ويخلينا طايرين لحد السما، وكمان، خلتنا نشوف وش حبيبها اللي محدش من أهلها يعرفه، إحنا أول حد يشوفه، آمنتنا على أسرارها، وأفراحها وزعلها، ولازم نرد الجميل، لازم لما تكون زعلانة ننزل، ونخليها ترتاح.

وسابت إيديها من أهلها، وجريت للدمعة الفرحانة، وواحدة واحدة نطوا ف المية اللي بتطلع واحدة واحدة لفووق والنور بيقرب منهم، بتفكر وهي طالعة لمجرى الدموع اللي هيخرج م عينين البنت.. أخيرا هرد جميل البنت الحلوة، وأطبطب على خدها وأبوسه، وأرمي برة نفسها كل الحاجات الميتة، وأتبخر وأوصل للسما.. بتفكر ونور الشمس غامرها، وجسمها بدأ يتحول لبخار إنها أخيرا عملت أحلى حاجة ف الحياة.. إنها بتهون على بنت ف زعلها"، تماما مثلما اعتاد جدي أن يفعل.

____________________

القصة الأصلية من هنا:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق