تلك الموسيقى الخفيّة بينكما، رسائل مسروقة من الزمن. علّات الروح وعطب القلب ووجع الظهر وألم الجلوس، كأنها لم تكن، ولن تكون الآن.
"افتكريني..
أصل مسافر
مش عايزة تقولي حاجة قبل ما أمشي؟
هنروح بلاد ونعدي جبال.. وحنتقابل من غير ميعاد..
الدنيا صُغيّرة..
افتكريني..
خدي عنواني..
يمكن نتقابل تاني.. "
صوت حسين الإمام المكرر، بجيتاره الخفيف، يهمس في خلفية رأسي، الدرويش المسافر في الباص، يصرخ ألّا شيء يعجبه..
"لا الراديو ولا صُحُف الصباح، ولا القلاع على التلال.. ولكني تعبتُ من السِّفَرْ".
تعبت من التعب.
صديق المقعد، يسألني عن وجهته إن اقتربت. أنا لا أعلم من أين جئت، ولكني أتيت.
ثلاث نقاط رمادية تتراقص على خلفية الماسنجر البيضاء. كلمة "seen" تؤكد مجددا أن "الدنيا صغيرة".
مؤخرا، فقدت القدرة على ملء فراغات أحلام الحافلة. قلبي على سفر، فأنّى له الماء؟ وكيف يحل له الصيام؟! تقاوم ليلاً، لتملأ صمت العقل والقلب. لا تريد النوم ولا الحديث، وقلبك صار مثقلاً بحديث مكتوم.
أحياناً تجيب على جُمل أبطال أفلامك بصوت عال ليلاً، وتضبط نفسك تحدث دخان سجائرك في المطبخ، لتحاول مجددا ملء السكون.
الوحدة قاتلة.
الانعزال سام.
الصمت مُبكٍ.
صديق العمل، يقول لي ممتعضاً: "افصل يا بني، حرام عليك" فأزيد. لا أتحدث كثيرا في العادة.. في الحقيقة، لا أتحدث مطلقاً. صديقي لا يدري مقدار "جميله" لي، فيتركني أُكمل.
خواء.. فراغ.. عدم..
صغيرا، كنت أحلم أن أكون كريستوفر مكاندليس، أتيه في القفار بعيداً عن البشر، حتى أصير مُصمتاً غير خاوٍ. والآن يتضح لي أنني أجّلت حتى ابتعدت، فابتلعتني الحياة. حلم الوحدة مؤلم والهرب إلى البرية لم يعد مجدياً الآن.
أتذكر العود، النائم فوق دولاب ملابسي، أعيد تأجيل حلم تعلمه مرة أخرى.. أتثاءب.. الظلام في عيني يصير أكثر ثقلا.. صديق الحافلة يستأذن للنزول.. أستسلم لصوت كريستوفر مكاندليس، مرة أخرى وهو يعزف لي على الجيتار داخل "كارافان" وسط ثلوج ألاسكا:
"افتكريني..
وحنتقابل من غير ميعاد..
م الدنيا صغيرة.. دي الدنيا صغيرة.."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق