2016-12-22

عزيزتي مارية

ظلت الصفحة على مدار يومين، بيضاء إلا من كلمتين:
"عزيزتي مارية.."
لا أجد البداية المناسبة -كعادتي- لبدء حوار ما.
تعودت البدء بجمل منفية، فأنا كثير النفي، ويا للنفي من سببٍ.
يقولون إنها إشارة لانعدام الثقة وضياع الهوية، والبحث عن مهرب من المسؤولية. أتعلمين، صغيرتي، أن أباك خائف؟ يتأخر كثيرا في اتخاذ القرارات. في قرارة نفسه، لا يثق في اختياراته، فهو يظن أن هناك -دائماً- أفضل لا يعرفه.
اعتاد منه مدرسوه منذ صغره، على معرفة الإجابات عن كل شيء، وهو لا يعرف شيئاً عن أي شيء. انتظر أصدقاؤه منه القرب، فلم ينالوا منه إلا العزلة. انتظر هو من نفسه المعرفة، فلم ينل إلا الجهل.
كثيراً، قبل أن ينام، يراجع يومه. كان ليقول هذا بطريقة أفضل، أو يتصرف بطريقة مغايرة، يصرخ في وجه من طالبوه بتغيير شيء ما، يثبت على رأيه بشأن ما قاله ولا يهادن طلباً لراحة الدماغ.
يحلم دائما بعصا سحرية، أو قدرات خارقة، تتيح له التحكم في بيئته/حياته/أفعاله/أقواله. كثيراً لام نفسه على حبه لحواديت هاري بوتر وألف ليلة وليلة، وأفلام السوبر هيروز، ولكن ذلك لا يغير الحقيقة في شيء.
عزيزتي..
أشعر الآن بغضبك، وخذلاني لك، أضعافاً مضاعفة. حين سافرت وحين أودعك كل يوم على أبواب الحضانة. كل شيء يذكرني بتقصيري تجاهك: نظراتك الموجعة لي حين أدير ظهري وأرحل/سعالك وأنت نائمة/ زجاجة "أدول" تنتظر مفتوحة الغطاء على الطاولة/ صراخ طفل جارنا الصغير/ بسمة الصغار في الإعلانات.. كل شيء صغيرتي.. كل شيء.
لن تقرأي هذا إلا بعد فترة، وربما لن تقرأيه أبدا. فقط التمسي العذر لشخص ضاق ذرعاً بما حوله، وأذاقه الزمن ضعف القلب، وشيب الرأس، وضيقة في الصدر.

حتى في النهاية لا أجد مبرراً مقنعاً: كل الحجج قيلت، والأعذار أوشكت على الانتهاء.
صغيرتي.. تصبحين على عائلة.
 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق