[[تمهيد]] لم يدرك المحيطون
به بعد، أن هناك أمورا أهم قليلًا من طول شعره أو تهذيب لحيته.
لم يسعه وهو يتلوّى من الألم في حمّام عمله، حين
نظر إلى المرآة، إلا أن يهندم شعره المتناثر، وهو مغمض العينين، آملا في ضمّة من يديْن
يعرفهما جيدا، وطبطبة على الكتفين، وصوت يهمس في أذنه: "ألف سلامة عليك يا حبيبي".
* اعتاد أن يزوره الأمل حين
يهرب الناس إلى مخادعهم، يتسرب إليه مع لحظات البرد، وسويعات الأحلام الصباحية.. لم
يعبأ كثيرا بما يفعلون، ينظر إليهم شاخصًا دون تركيز، يومئ برأسه في تفهّم مصطنع، ينصت
باهتمام زائف لمشاكل الزمان وانعدام الأمل، لكنه واثق كنبيّ أنه يستطيع الطيران ليلًا
وهو مغمض العينين.. يستطيع تحريك الجبال بإشارة من عصاه، بتعويذته غير المفهومة يلقي
البرد والسلام على نيران قلقه، بطرقعة الإبهام والوسطى يصّعد في السماوات العُلى..
يُسمِع الصُمّ الموسيقى، ويُشعر الجبابرة بجمال السلام.
الآن لم يعد هناك غيرك.. تتحرك في خفة بين جماهيرك
من النجوم والطيور الليلية وأنوار المنازل والشوارع من تحتك.. تزورك أشباح ماضيك وذكريات
طفولتك.. يد والدتك تتحرك على رأسك ممسكة بمنديل منقوع بالثلج والخل لتُخفض حرارتك،
وأنت تسمع مطارق الحدادين وأبواق السيارات في أذنيك، ترى تلك النقاط البيضاء الخافتة
حين تغمض عينيك، تكبر وتلتحم ليغطي بصرك نورٌ مزعج باهت الملامح.. في ذروة سخونتك تشعر
بقطرات الماء المثلج تتحرك من المنديل على رأسك لتستقر في أكثر الأماكن إزعاجا في أذنك.
لا تستطيع الحراك لتجفيفها، أو الكلام لمنعها.
تفتح عينيك لترى من حولك، فلا تميزهم.. مجرد أشباح
غير واضحة المعالم، يقفون في نور أصفر يؤذي الناظرين.. تغمض، لتعود إلى جماهيرك من
النجوم والأنوار وأبواق السيارات، وتنتظر أشباحك، لتبدأوا رحلة الصعود.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق