2017-03-06

أرق

أرق منذ ليالٍ، يتركني حبيس الـ"سكرول" والهاتف. أترك في خلفية ذاكرتي ملاحظة جانبية بأنني سأشاهد الليلة فيلماً جديداً، لكنني لا أفعل. أمدد جسدي على السرير شاخصاً إلى ما اعتده سقفاً لغرفة النوم، لا أفكر في شيء، أو هكذا يبدو لي. أحاول تذكر بعض الأخبار ولا أفعل، أعدّل أوضاع جسدي مراراً، بلا جدوى. أرهف السمع مع صراخ صغير جارنا، لأعاود محاولة النوم مرة أخرى، بعد التأكد من أنها ليست صغيرتي، النائمة في الغرفة المجاورة. 
أصداء مياه الطابق العلوي تجري في الحوائط، أصوات أبواق السيارات البعيدة تصل تائهة إلى مسامعي، تتبعها تكّات قداحة شخص ما في الشبابيك المقابلة، ومواء قط شريد وجد ضالته في أحد صناديق النفايات. 
أنصت جيدا لأنفاس زوجتي وأحاول ضبط إيقاع تنفسي لمجاراتها. أغرق في عمل اللاشيء. أحاول ثانية التفكير في ما يقلقني ولا أعرفه، محاولا تذكره، بلا جدوى. 
عقلي مزدحم بالفراغ. 
أعرف جيداً أن تلك دفاعاتي النفسية، تنأى بي بعيداً عما يقلقني فتُنسينيه. ولكن المعضلة الحقيقية أنني أصبحت فعلا لا أذكره. 
كثير النسيان، صفة اكتسبتها عن جدارة. ذاكرتي امتلأت، هكذا أفسر لنفسي السبب، فلا أجد براحاً لشيء آخر. أنتبه وسط حديث جاد لصديق، يبدو من عينيه أنه ينتظر إجابة.. "ربنا يسهل إن شاء الله، ويعمل ما فيه الخير"، أجيب وأنا أشعل سيجارة في أسى ظاهر، وأعاود النظر إلى تكوينات السحاب التي تشكل الآن جبلا من آيسكريم "الفانيلا" البيضاء تشوبه طعومات أخرى رمادية اللون، ونقاط صغيرة بعيدة سوداء تتحرك في أسراب، إلى وجه الرجل الظاهر من بين السحب لتختفي خلف تلك العمارة على ناصية الطريق. نَفَس أخير من السيجارة أخرجه مع الزفير في ضيق لأظهر تعاطفي مع هموم الزمان التي يشكو منها صاحبي  -أو هكذا اعتقدت- في كلامه.. "ربك يسهلها يا معلم". 
الـ"سكرول" لا ينقطع.. الفراغ لا يموت.. الخواء يفرض نفسه على المحيط. أصوات دقات قلبي أسمعها بوضوح في أذني اليمنى، أعاود ضبط تنفسي عليها، في محاولة للنوم، تبوء بالفشل مرة أخرى مع صوت صغير جارنا مجددا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق