2012-09-22

دون أدنى أهمية





ينظر إلى حاله الجديدة؛ بصعوبة، يرفع قدمه اليمنى ليصعد على السلم، لم يظن لوهلة أن مرض التقدم فى العمر، سيصيبه، كان يظن نفسه قويا، وأنه سيستمر شابا إلى أرذل العمر، حتى بعد اكتساء شعيرات باللون الأبيض، فى رأسه، لم يأبه بالا، أو يعر اهتماما لأشكال الكبر، التي أرجعها لأمراض قديمة، أو أعراض برد أو نوم دون غطاء، أو صداع نصفى لقلة أكله، بل لم يهتم أبدا بكونه صار أنحف قليلا عما مضى، لم يهتم بضعف قوته، التي أرجعها لإهماله تمارين الضغط التي وعدها باستمراره في آدائها صباح كل يوم، وإلى حالات الأرق التي تصيبه بصفة مستمرة.
لم يعد يشعر بتدفق الدماء الساخنة إلى أطرافه كما كان سابقا، ولم ينتبه إلى قول أمه، إن حرارة جسده لم تعد مرتفعة كما كان صغيرا، لم يهتم.. ولن.
عضلات عقله تتوقف عن التفكير، رويدا رويدا، وأصبح ينسى بطريقة أسرع مما سبق؛ فهو المشهور بين أصدقائه بالسمكة "دورى - Dory"، فى فيلم "البحث عن نيمو - Finding Nemo"، هو من  يقول عن ذاكرته "عاملة زى السمك"، أصبح لا يذكر بداية حديثه القصير الذى بدأه منذ وقت قليل.
يتذكر، أثناء وقوفه على "البسطة" للحظات للراحة، كيف كان يهبط السلم بسرعة وهو صغير، لخوفه ممن يلاحقه، ينظر خلفه الآن، لا يرى أحدا، يبتسم، ويكمل صعوده، مطرقا وجهه إلى الأرض، لا يستطيع الصفير كما هى عادته وهو يصعد سُلّما، ويتحجج بأصدقائه الذين يقابلهم ليرتاح قليلا.
ينظر إلى بنصره الأيمن، وهو يصعد السلم، لا يجد شيئا، ينظر إلى يده اليسرى، ولا يرى دبلته، يتذكر، بصعوبة، لماذا لا يرتدى خاتم زواجه، إنه لم يتزوج بعد فى الأساس، ولا يذكر لماذا هو مصر على "عزوبيته"، يحاول جاهدا.. لا يتذكر.
- "أنا الظاهر اتهبلت ولا ايه؟"، يحدث نفسه مبتسما.
يصل إلى الدور الثامن، يقف قليلا، "هو أنا ليه هنا؟"، يشعر بالضيق لأنه لا يتذكر ما الذى أتى به إلى هذا الدور، ويشعر بالضيق أكثر حين يتذكر أن مكتبه فى العمل، الآن، يقبع فى الدور السادس؛ وإن "الثامن" كان دوره فى عمله القديم؛ يركب الأسانسير، ويضغط الدور الأول، يمر بالسادس ولا ينزل فيه، لا يهتم بشيء سوى تذكر تلك اللحظات التي يقضياها فى الأسانسير، حتى الدور الأرضى.
يخرج إلى الشارع، ينظر إلى السيارات، والمارين فيه، لا يشعر بهم، أو يراهم، يسير دون أن يعرف إلى أين، يبتعد رويدا رويدا عن مبنى عمله، ويختفى وسط المشاة، لا يرى أحدا، ولا يراه أحد، دون أدنى أهمية للكائنات التي تصطدم به أحيانا فى الطريق، التى يسميها البعض، بشرًا.
يختفى وسط الزحام، دون أن يذكر لى أو يتذكر لماذا كان يريدنى، وللحق، فأنا أيضا لم أذكر في أية موضوع يريدنى، أدير ظهرى له بعد اختفاء شكله الغائم.. وأمضى!




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق